فقه الأسرة /

تقدير وقت الدراسة: 6 الدقائق

السؤال ما حكم من له علاقة غير مشروعة مع بنت زوجته ، قد قبلها ومارسوا الجنس الفموي معاً ، ولكنه لم يصل إلى تغييب الحشفة في الفرج ، هل نكاحه مع زوجته لا يزال صحيحاً ؟


الحمد لله. بداية وقبل السؤال عن الحكم الشرعي فإن المسلم يجب أن يتساءل دائماً عن التوبة وأسبابها ، فيجتهد في التفتيش عن مكفرات الذنوب ، ويسأل الله العفو والرحمة والغفران ، فعاقبة الذنب وخيمة في الدنيا والآخرة ، والله عز وجل إن رأى من المسلم صدق الندم على ما فات ، والعزم على ترك المعصية في المستقبل ، وصدقاً في الاستغفار والإنابة إليه سبحانه ، فإنه عز وجل غفار الذنوب ، كما قال جل وعلا : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) طه/82 . أما من أصر واستكبر ، ومضى بذنبه كأن شيئاً لم يكن ، فقد حمل وزرا يوم القيامة ، قال الله عز وجل : ( وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ) النساء/14. فالواجب على هذا الرجل والفتاة المسارعة إلى استدراك ما فرط منهما من تلك الذنوب والفواحش العظيمة ، وطلب العفو من الله عز وجل ، ولا يتم ذلك إلا باتخاذ الأسباب الكفيلة بمنع وقوع الفاحشة مرة أخرى ، وذلك بتغيير المسكن ، واجتناب الاختلاط بابنة الزوجة ، بل والتباعد عنها تماما ، كي لا تدفع رؤيتها إلى تكرار الإثم من جديد ، وهي مسؤولية مشتركة يتحملها الطرفان ، وتتحملها أمها - التي هي زوجته - أيضا ؛ فإن لم يقدرا الأمر حق قدره ، ولم يلتزما بالانفصال التام ، فإن الشيطان سيسول لهما الوقوع فيما هو أعظم وأفحش . أما الحكم الشرعي فهو أيضا حكم خطير ، فقد قال فقهاء الحنفية الكرام بأن المباشرة بشهوة : تنقل حرمة المصاهرة ، ولو من غير جماع ، فمن قبَّل فتاةً بشهوة حرمت عليه أمها وابنتها ، وحرمت على أبنائه . روى ابن أبي شيبة في " المصنف " (3/479-480) بأسانيده أن عمر رضي الله عنه جرد جاريته ، فسأله إياها بعض بنيه ، فقال : إنها لا تحل لك . وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أنه جرد جارية له ، ثم سأله إياها بعض ولده ، فقال : إنها لا تحل لك . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : أيما رجل جرد جاريته ، فنظر منها إلى ذلك الأمر ، فإنها لا تحل لابنه . قال السرخسي رحمه الله : " نستدل بآثار الصحابة رضي الله عنهم – فذكر شيئا مما سبق - ولأن المس والتقبيل سبب يتوصل به إلى الوطء ، فإنه من دواعيه ومقدماته ، فيقام مقامه في إثبات الحرمة ، كما أن النكاح الذي هو سبب الوطء شرعا يقام مقامه في إثبات الحرمة إلا فيما استثناه الشرع ، وهي الربيبة ، وهذا لأن الحرمة تنبني على الاحتياط ، فيقام السبب الداعي فيه مقام الوطء احتياطا ، وإن لم يثبت به سائر الأحكام ، كما تقام شبهة البعضية بسبب الرضاع مقام حقيقة البعضية في إثبات الحرمة دون سائر الأحكام ". انتهى من " المبسوط " (4/206). ويقول ابن الهمام رحمه الله : " من مسته امرأة بشهوة : حرمت عليه أمها وابنتها...[ لأن ] المس والنظر سبب داع إلى الوطء ، فيقام مقامه في موضع الاحتياط ". انتهى من " فتح القدير " (3/2210). بل أفتى فقهاء الحنفية بفسخ الزواج القائم فعلا ، بسبب اللمس بشهوة في مثل هذه الحالات ، كما يقول ابن نجيم رحمه الله : " المعتدة عن رجعي : إذا طاوعت ابن زوجها ، أو قبلها بشهوة : فلا نفقة لها ؛ لأن الفرقة لم تقع بالطلاق ، وإنما وقعت بسببٍ وُجد منها ، وهو معصيتها ". انتهى من " البحر الرائق " (4/218) . وقال الزيلعي ، رحمه الله : "وَالزِّنَا وَاللَّمْسُ وَالنَّظَرُ بِشَهْوَةٍ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ) : ... وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – ( مَنْ مَسَّ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ ) حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا . وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَعَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ" . انتهى من "تبيين الحقائق" (2/106) . ولا ننكر أن جمعًا من أهل العلم قد قرروا عدم انتشار تحريم المصاهرة : إلا بالجماع في زواج شرعي صحيح ، فمنهم من قال : إن المباشرة ونحوها لا تنشر الحرمة أصلاً ، ومنهم من قال : إنه الحرمة لا تنتشر ، ولا بالجماع ، إلا في نكاح صحيح . يقول الشيخ الدردير المالكي رحمه الله : " يجوز لمن زنى بامرأة أن يتزوج بفروعها وأصولها ، ولأبيه وابنه أن يتزوجها ". انتهى من " الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي " (2/251). ويقول ابن حجر الهيتمي الشافعي رحمه الله : " ليست مباشرة ، كمفاخذة بشهوة : كوطء ، في الأظهر ؛ لأنها لا توجب عدة ، فكذا لا توجب حرمة ". انتهى من " تحفة المحتاج " (7/303). ويقول البهوتي الحنبلي رحمه الله : " لا يثبت تحريم المصاهرة بمباشرتها ، ولا بنظره إلى فرجها ، أو بنظره إلى غيره ، ولا بخلوة ولو لشهوة ؛ لقوله تعالى ( فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم ) يريد بالدخول الوطء . وكذا لو فعلت هي ذلك ، أي ما ذكر من المباشرة والنظر إلى الفرج وغيره ، والخلوة لشهوة برجل : لم تحرم بنتها عليه ؛ لأنه لم يدخل بأمها ". انتهى من " كشاف القناع " (5/71) . وقد سبق بيان ذلك ، والراجح فيه . انظر 131569 . لكن أحدًا لا يقول ، ولا يقبله عاقل : أن يبقى الزوج على حاله تلك ، معرضا نفسه للوقوع في المعصية والفاحشة ، دون أن يسد أبوابها . أيسُرُّ هذا الزوج أن يُحشر مع الزناة والزواني ، ويلقى عذابهم الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ . قَالَ : فَاطَّلَعْنَا فِيهِ ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا ) ثم أخبر أنهم ( الزناة والزواني ). كما في " صحيح البخاري " (7047). ولا شك أنه لو لم ينفسخ نكاحك من زوجتك ، فإن بقاء الوضع الحالي ، واستمرار عيشك مع ابنتها في مكان واحد , وإمكان الخلوة بها : هو من أعظم الفساد ، وأوسع أبواب الوقوع في الفاحشة ، وغضب الرب جل جلاله . وانتهاك حرمات الله ، وتعدي حدوده : هو أعظم من مجرد انفساخ النكاح . ولو سأل سائل : هل تحرم الزوجة على زوجها ، إذا قتل ابنتها ؟ لقيل له : لا !! لكن انفساخ النكاح ، أو حرمته ابتداء شيء ، وشناعة الجرم شيء آخر !! فانظر : أين أنت يا عبد الله ؟ وأين دينك ، وكيف غررت به، وجعلته عرضة لشهواتك ونزواتك ؟! فإذا كنت ستبقى على نكاحك لهذه المرأة ، فلا يحل لك أن تبقى على تلك الفاحشة ، وهذا معلوم ؛ لكن أيضا : لا يحل لك أن تبقى على أبواب الفتنة مفتوحة أمامك ، بل الواجب عليك التباعد عن الفتنة وأسبابها ، بكل ما تملك ، وأن تسد كل طريق يدعوك للافتتان بهذه الفتاة ، والعودة إلى ما كنتما تعملان . فالواجب عليك أن تحتاط لنفسك ، وتستبرئ لدينك ، ليس فقط بالتوبة من تلك القاذورات ، بل بسد أبوابها التي قد تعيدك إليها مرة أخرى ؛ وقد قال عمر ، رضي الله عنه  : ( .. فَدَعُوا الرِّبَا ، وَالرِّيبَةَ ) رواه ابن ماجة (2276)، وصححه الألباني . نسأل الله تعالى أن يعصم بيوت المسلمين عن الفواحش ، ما ظهر منها وما بطن . والله أعلم . .

اسلام سوال و جواب

المرجعي:

أنشئت في 1401/04/16



0 دیدگاه
برای این پست دیدگاهی وجود ندارد

انشر تعليق

العنوان: معمل التنقيب عن البيانات ومعالجة الصور ، كلية هندسة الحاسوب ، الجامعة التكنولوجية شهرود

09111169156

info@parsaqa.com

أنصار

Image Image Image

زملائنا

Image Image